إذا أردنا أن نتكلّم عن الإعلام الذكي كقوّة ناعمة يمكن استثمارها في عملية إيصال الرسالة الإعلامية المطلوبة لابدّ لنا أن نفهم الغرض من الإعلام وبالتحديد الذي يوصف بالذكي، ولعلّ الغرض منه - ببساطة – هو القدرة على إيصال الرسالة المطلوبة بطريقة تتناسب مع أهدافها (تناسب المخرجات مع الأهداف)، بالإضافة إلى تناسق الوسائل مع الأهداف والمخرجات، وهي نقطة مهمّة قد يغفل عنها الكثير ممّن يعمل في مجال الإعلام.
إنّ أهم الإشكالات المسجّلة على الإعلام في وقتنا الحالي هو عملية (الارتجال) في طرح الرسالة الإعلامية إلى الرأي العام، ناهيك عن صياغة الخطاب بطريقة غير قابلة للفهم من قبل المتلقي، وكأنّه خطاب تم إعداده ليناسب مَن طرحه وليس خطاب أخذ في نظر الاعتبار الطرف الآخر بكلّ طبقاته وفئاته العمرية والاجتماعية والثقافية.
الخطاب التقليدي
من الإشكاليات الأُخرى، ربّما لدى البعض وليس الكلّ، وجود الإعلام التقليدي بخطابه التقليدي في عالم سريع وحديث ومتطوّر فنّياً وتكنولوجياً بصورة كبيرة جدّاً... وفي جواب هذه الإشكالية قال الشيخ مرتضى معاش، بأنّه: «لا يمكن إلغاء الخطاب التقليدي بصورة نهائية فهناك مَن يرغب به، لكن في ذات الوقت، نحتاج إلى وجود تكامل مع الخطاب الحديث القائم على أساليب وأُسس جديدة تتناسب مع تفكير الشباب والفئات الاجتماعية التي ظهرت في عالم الحداثة اليوم التي قد لا تنسجم مع الخطاب التقليدي، لذلك لابدّ أن يكون لنا خطاب ذكي يتناسب مع فهم هذه الفئات والطبقات وإيصال الرسائل المطلوب إيصالها بنجاح».
وأضاف الشيخ معاش أنّ: «هناك ملاحظة مهمّة حول الحاجة إلى الخطاب الحديث (الذكي) وهي أن لا يكون هذا الخطاب مبني على نسف أو هدم الأُسس والأُصول، بل أن تكون عملية تكاملية بينه وبين الخطاب التقليدي بطريقة تناسقية تتناسب مع الأهداف وكذلك الوسائل تتناسب أيضاً مع الأهداف الموضوعة».
الخطاب التاريخي
إنّ جوهر الخطاب المطلوب في عالم اليوم ينبغي له أن يلامس هموم وحاجات الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والمعرفية، وهو غير مطالب أن يكون خطاباً تاريخياً جدّاً يبتعد عن إيجاد حلول لمشاكل المجتمع.
لذلك ينبغي أن يكون الخطاب متحرّك وفعّال وديناميكي ومنسجم من أجل متابعة القضايا التي تهم الشارع وهمومه اليومية، وهنا يمكن الاستفادة من التاريخ لأخذ العبر وربّما لإيجاد العلاج للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها المجتمعات.
أمّا الطريقة التقليدية التي تقوم على جمع التاريخ وإعطاءه للمتلقي في سلة واحدة دون القيام بقراءته والاستفادة واستلهام العِبر منه فإنّها ستكون ذات تأثير محدود على الطرف الآخر، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى قراءة تاريخنا من أجل المستقبل، والذكاء الإعلامي هو القدرة على تحويل الخطاب من الماضي إلى المستقبل.
الإعلام الذكي وحرّية التعبير
أصبح العراق اليوم يتمتع بحرّية نسبية جيِّدة وهذه الحرّية تسهم في صناعة إعلام حرّ وناجح.
ويجب أن تحترم حرّية التعبير وتعددية الآراء والاجتهادات فبدونها لا يمكن أن ينجح الإعلام، لأنّ وسائل الإعلام هي مَن تمارس عملية الرقابة والتوعية والترشيد، وهذا يخيف الحكومات المستبدة وأوّل شيء تقوم به هو تكميم أفواه الإعلاميين عن طريق القتل أو السجن أو الترهيب أو المحاسبة الشديدة.
والإعلام في العراق يتمتع بحرّية لكنّها ليست كاملة لأنّها تتعرّض في بعض الأحيان للترهيب والتخويف، وحين نقول إعلام ناجح وحرّ نقصد به هو ذلك الإعلام الذي يمارس عملية الرقابة وكشف الفساد وإصلاح المجتمع وإصلاح منظومة القيم ويحمل أخلاقيات المهنة ويكون صادقاً وموضوعياً في نقل الحقيقة.
الخلاصة
1- البحث عن التكامل بين الخطاب التقليدي والخطاب الحديث لخلق إعلام ذكي قادر على إيصال الرسائل المطلوبة، لأنّ الإعلام الذكي هو الذي يوصل الرسالة أو الخبر بصورة مقنعة وجميلة وليس بطريقة دعائية فجة.
2- الاستفادة من هامش حرّية التعبير المتاحة في البلد من أجل ممارسة عملية الرقابة والنقد الموضوعي بهدف إصلاح النظام الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي والحفاظ على ديمومة حرّية التعبير وتطويرها.
3- الاحترافية في مجال الإعلام الذكي من شأنها اختصار الزمن والجهد المبذول في عملية إيصال الرسائل بمختلف اتجاهاتها وأهدافها، كما إنّ الوسائل المتاحة في الإعلام الحديث هي أضعاف ما موجود في الإعلام التقليدي.
4- إنّ التركيز على أسلوب الخطاب وتطويره بما يتناسب ومنظومة القيم الموجودة في كلّ مجتمع لها تأثير فعّال وحيوي في تطوير المجتمع وتفاعله مع هذا الخطاب وتحقيق نسب عالية من النجاح.
5- الإبداع وليس التقليد هو سرّ نجاح الإعلام في تحقيق الغاية المرجوة منه، وعليه ينبغي الاستمرار في عملية الإبداع وتجنّب التكرار أو التقليد في طرح الأفكار والوسائل والأهداف.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق